صباح آخركمثل أي صباح .. كم أتمنى أن يهبني القدر فصول أخرى لهذا الصباح ...
فصول تختلف عن صباح بقية غيري من البشر
فلم أعد أملك أدنى شك أن هذا الروتين قد يقتلني يوماً ..
إنه يدمرحس الفرح بأنني ما زلت أعيش يوما آخر على الأرض .. !
و كــ كل صباح ،وعلى طاولة مستديرة ، في مقهى لا يزوره سوى هواة الصمت أو الهدوء....
و في قلب المدينة بعيداً عن ضوضائها المعهود...
اليوم لدي شعور بأن يكون هذا الصباح مختلفاً ..
وسيكون ذلك بأحد الامرين إما انني من سيجعله كذلك ، أو أن أحدهم من سيتولى ذلك عني ...
كوب القهوة الصباحية مازال ساخنا ، فمنذ أدمنت الكتابة أدمنت شرب القهوة معها ، توقضني من أحلام نومي لتغرقني في أحلام يقضتي ....
لكنني أفضل شربها باردة اليوم ! لذا سأنتظرها ريثما تفعل ذلك ...
و أثناء ذلك لكم أن تدركوا حقيقة إكتشفتها لأول مرة ذات يوم لا أذكره ... على طاولة مقهى من الممكن أن تُكْــرَم عمراً بأكمله ...
وفقط على طاولة في إحدى المقاهي !
لا تحتاج سوى لــ طاولة وكرسي و عينان تجيدان التجول ، وفمٌ يقدرالصمت
فذلك كفيل لأن يمنحك ، وجوه تزور عينيك بمجرد أن تلتفت إليها متجولا بين ملامحها !
أواصل النظر خلسة نحو شاب يجلس على يساري ..
أوليس غريباً أن نعجب بشيء ما ونظل نسهب النظر إليه .. و رغم إحتمال أننا لا نستطيع امتلاكه يوماً ، ولكننا نواصل فعل ذلك...
هل نحن أنانييون أم أنه مجرد طبع بشرٌ نمتلكه و فقط ؟؟ ....
تسرقني الفجــأة لتخبرني ..
" يــا إلهي ..منذ متى و أنا انظرإليه ؟؟ " يصيبني الإحراج من هذا الطبع الفضولي الذي أمتلكه ، ليتني أتخلص منه يوماً لم أدرك أبدا أنني أفعل ذلك ..
أذكرأنني كنت أتأمل كم يمكننا أن نتعلم من على كرسي في مقهى ...
تعود عيناي لتفرطان في حديثهما التأملي ذاك ، و لكن هذه المرة على يميني مباشرة ، عجوز لعق الدهر من وجهه كل ما يمكن أن يشد عضلات ملامحه .. ليعطيه ذلك الوجه المتجعد ..
كم تمنيت أن أسأله عن سبب تلك التجاعيد .... وعن الأقدار التي كونت كل تلك الكثبان الجلــدية ؟؟
حتى أن السؤال خرج من لساني على غفلة منى!! .. إبتسم فأجاب بثقة تلك الثنيات ..
- الزمن أكبــر غدار يمكن أن تتعاملي معه ، فإتركي عينيك مفتوحه حتى في حضور الشمس !
- عذراً سيدي ، هل لي بسؤال آخر ؟
- بالتأكيد ..وهو يبتسم .
- وهل لذلك علاقة بكل تلك الطوابع التي تركها لك الزمن؟
- و هل تعتقدين ذلك ؟
- تخرج " نعم " من فمي ... وتظهر معها معالم الثقة لتلك الإجابة المنتقاة .
- إذن فليكن ما تعتقدينه أفضل من إجابتي .
- لماذا؟! .. أليس من حق من حولك أن يتعلم مما علمك إياه الدهر ؟
- من حقهم ،ولكن ليس هنالك من يحب أن يستمع لمن هم بسننا اليوم .. يقولون أن الزمن صار غير الزمن الذي كنا نعيش .
- ربمــا هم لا يدركون أنهم قد يكونون مخطئيين في مثل هذا تقدير .
- ربمــا ، مع أنني لا أظن ذلك صغيرتي .
ثم ترك مكانه خالياً ، كمــا تركني خالية الذهن أفكر فيما قال ....
لماذا يُقدم الكبار على إلقاء خبراتهم طلاسم لا نستطيع فكها إبان إستماعنا لها ؟؟..
وكــأنهم يتبعون رجلا عظيماً قال " أنام ملء جفوني عن شواردها ...ويسهر الخلق جراها ويختصم " ..
تركني وفكري ضائعين فيما الذي يمكن أن يهديه القــدر لي .. هل سيكون وجهي بهذه الهيئة تماما كــ وجهه ..أم أنني سأغادر قبل أن يضع الزمن طوابعة عليّ كما بصم على شيخ كبير كهذا الرجل؟
كم تكثر تساؤلاتي في صباح توقعته أن يكون عــاديا كأي صباح آخر .. و تمنيته أن يكون مغايراً عن كــل صباح في حياتي ....
أفتح الجريدة أقرأ مقالا أقل إرتباكاً من هزات اليابان ، في الواقع أقل من ذلك بكثير ...
أحدهم يصف موقف إرتباكه رغم ما وصل إيه من شيخوخة فيما يكتب ! ..
لم أعرف لماذا قرأت ما كتبه أكثر من أربع مرات !!
هل كنت أبحث عن شيء معين هناك ؟ أم لأنني كعربية إعتدت ان أقرأ ما يلاقي المدح ؟؟
أم أنني لم أفهم ما فيه فحسب ؟! .... لم تتفق أي من تلك الأفكار أيهــا الأصح ، مثلمــا تعاهد العرب سراً أن لا يتفقوا أبداً .. عجزت البحث عن السبب ...
فــ يوقضني صراخ أحد الزبائن على النادل ، في الحقيقة يجب أن نكون ممتنين لما يقدمه الآخرين من خدمات لنا
لا أن نكافئهم بصراخ ...
و لنتخيل شيء بسيط مثل " ما الذي يمكن أن يحدث لو لم يكن هنالك من نادلٍ يجيب طلبنا و نحن على طاولة مقهى ننتظر كــوب قهوة يوقض ما زال نائماً منا ؟؟" ..
أصبحنا إذن لا نؤمن بــ ما يسمى " العفو عند المقدرة " ...
تعكر مزاجي ...و إنقطع حبل أفكاري ...فرحت ألملم الجريدة ، و أغلقت حاسوبي ..أفرغت كوب القهوة دفعة واحده
و كأنني أشرب كوب ماء ... أمام أعيون ذلك الوسيم الذي يجلس إلى يساري ، و أنا أعلم أنه كان يراقب فضولي ،
و عبثاً يحاول جاهداً ألا أشعر بذلك ...
في الواقع كنت سأكتب عنه لولا ذلك الرجل الهرم القابع بيميني...
كتبتُ على ورقة صغيرة .. "شكــراً لأنك كنت هنا " ... لقــد كان سخياً أكثرمن القدر بتواجده هناك ..
لذا أحببت أن أشكره على طريقتي .. فمن يدري ربما أصادفه غداً على نفس الطاولة !
و قبل خروجي وضعتها على طاولته... وتركته و عيناه المفتوحتان كــما تطل بلدي على بحرين ...
فـــ آنفاً من صباح اليوم ، خططت أن أكتب مشهد آخر كمــا " زائر حلم " وها أنا أجدني أعود أدراجي بقصة رجل عجوز قطع ما يمكن أن يكون بداية لمشهدٍ عن شاب عادي تماماً ، كان يجلس إلى يساري ..
لــذا سأكون قنوعةً اليوم لأقول
وداعاً أيها الصباح المختــلف عن قرائنك ...